عندما يتعلق الأمر بالعملية التعليمية، تبرز مسألة التقويم كحجر أساس في بناء المعرفة وقياس مدى تحقق الأهداف المرجوة. وفي هذا الصدد، يأتي دور الفروض والامتحانات كمحور رئيسي في هذه العملية، ليس مجرد وسيلة لترتيب الطلاب أو منحهم درجات، بل كأداة حيوية وفاعلة لها أبعاد متعددة تشمل الطالب والمعلم والمؤسسة التعليمية والمنهج نفسه.
فالفروض، بتكرارها وطابعها اليومي أو الأسبوعي،
تمثل نبض العملية التعليمية المستمر. فهي ذلك الاختبار المصغر الذي يرافق رحلة
التعلم خطوة بخطوة. للفروض دور تشخيصي بالغ الأهمية؛ فهي تكشف للطالب، في حينه،
مواطن القوة والضعف في فهمه. عندما يواجه الطالب سؤالاً في فرض ما ويعجز عن
الإجابة عنه، فإن هذه الإشارة تنبهه إلى وجود ثغرة في فهمه تحتاج إلى سدّ. وهكذا،
لا يقتصر دور الفرض على القياس فحسب، بل يتعداه إلى كونه محفزاً للمراجعة والتقويم
الذاتي المستمر. كما أن الفروض تُعوّد الطالب على الانضباط الدراسي، وتوزيع جهده
على مدار الوقت، بدلاً من تراكم المعلومات ومواجهتها في لحظة اخيار واحدة قد تكون
محفوفة بالقلق والإرهاق.
من جهة أخرى، يقدم الفرض تغذية راجعة فورية
للمعلم. فهو يمنحه صورة حية عن مدى استيعاب الطلاب للدرس، وعن فعالية طريقته في
الشرح. قد يكتشف المعلم من خلال تصحيح الفروض أن نقطة معينة لم تصل إلى الطلاب
بالشكل المطلوب، أو أن هناك سؤالاً متكرراً يدل على سوء فهم مشترك. هذا يمنح
المعلم الفرصة لتعديل مسار شرحه، وإعادة شرح النقاط الغامضة، وبالتالي تحسين جودة
العملية التعليمية بشكل فوري ومستمر. بمعنى آخر، الفروض هي بمثابة حوار صامت بين
المعلم والطالب، يتبادلان من خلاله مؤشرات التقدم والعقبات.
أما الامتحانات، وخاصة النهائية منها، فلها
طابع مختلف وإن كانت تكمل دور الفروض. إذا كانت الفروض هي اللبنات الصغيرة، فإن
الامتحان هو البناء الشامخ الذي يختبر متانة هذه اللبنات وتماسكها معاً. فالامتحان
يقيس قدرة الطالب على التكامل والربط بين مختلف أجزاء المادة الدراسية على مدى فصل
أو عام دراسي كامل. فهو لا يختبر حفظ المعلومة فحسب، بل يختبر الفهم العميق،
والقدرة على التحليل، والاستنباط، والتطبيق، والتفكير النقدي. من خلال أسئلة
الامتحان، يُطلب من الطالب أن يظهر كيف يمكنه استخدام تلك المعرفة المتفرقة
ويوحدها في سياق متماسك لحل مشكلة أو تحليل قضية.
كما أن للامتحانات دور تحفيزي كبير. فوجود موعد
نهائي واختبار شامل يدفع الطالب إلى مراجعة شاملة للمادة، وترتيب أفكاره، وإعادة
بناء المعلومات في صورة منهجية. هذه العملية بحد ذاتها تعمق التعلم وتثبته في
الذهن، فهي تفرض على العقل أن يعمل بطريقة تكاملية تختلف عن التعلم اليومي
التراكمي. علاوة على ذلك، تمنح الامتحانات الطالب والمؤسسة التعليمية مؤشراً على
مستوى الإنجاز الكلي، وتكون بمثابة حصاد للجهد المبذول طوال الفترة الدراسية.
غير أن هذه الصورة المثالية للفروض والامتحانات
لا تخلو من تحديات وإشكاليات. فالخطر يكمن عندما تتحول هذه الأدوات من وسائل
للتقويم إلى غايات في حد ذاتها. عندما يصبح الهم الأوحد هو الحصول على الدرجة
النهائية، قد يلجأ بعض الطلاب إلى أساليب غير مجدية تعليمياً كالحفظ الآلي دون
فهم، أو الاعتماد على التلقين، أو حتى اللجوء إلى وسائل غير أخلاقية. في هذه
الحالة، تفقد الفروض والامتحانات روحها التعليمية وتتحول إلى مجرد عوائق يجب
اجتيازها بأي ثمن.
كذلك، إذا اقتصرت أسئلة الامتحانات على قياس
الحفظ والاسترجاع فقط، فإنها ستقتل الإبداع والتفكير العالي لدى الطالب. لذلك، من
الضروري أن تكون الأسئلة مصممة بحيث تقيس مهارات التفكير المختلفة، وتشجع على
الابتكار والتعبير عن الرأي المدعم بالأدلة. كما أن الاعتماد على امتحان واحد
لتقييم مصير الطالب قد يكون مجحفاً، لأنه لا يراعي العوامل النفسية أو الظروف
الطارئة التي قد تؤثر على أداء الطالب في يوم الامتحان.
من هنا تبرز أهمية التكامل بين دور الفروض
المستمرة والامتحانات النهائية. فالفروض تمثل التقويم التكويني المستمر الذي يرافق
عملية التعلم ويقومها، بينما تمثل الامتحانات التقويم الختامي الذي يتحقق من تحقيق
النتائج النهائية. النظام التقويمي المتوازن هو الذي يمنح كل منهما وزنه المناسب،
فلا تطغى الامتحانات النهائية فتُهمل متابعة التقدم اليومي، ولا تُهمل الامتحانات
النهائية فتفقد العملية محطتها الختامية المهمة لتقييم المنتج التعليمي المتكامل.
باختصار، الفروض والامتحانات ليست مجرد طقوس
إدارية تمر بها العملية التعليمية، بل هي أدوات ديناميكية تشكل عموداً فقرياً
لعملية التقويم. عندما تُستخدم بشكل صحيح، فإنها تكون بمثابة مرآة تعكس صورة
حقيقية عن تقدم الطالب، وتُعدّ دليلاً للمعلم لتحسين أدائه، وتوفر معياراً للمؤسسة
لقياس جودة مخرجاتها. الفرض هو اللحظة التشخيصية المستمرة، والامتحان هو اللحظة
التقييمية الشاملة، ومعاً يشكلان نسيجاً متكاملاً يضمن أن رحلة التعلم لا تسير في
الظلام، بل تكون مسيرة واعية، مقاسة، تهدف في نهاية المطاف إلى بناء إنسان قادر
على فهم ذاته والعالم من حوله، وإلى تطوير المجتمع من خلال تعليم هادف وفعال.